توطئة :
إن نظرة الإنسان المعاصر اليوم إلى التراث الشعبي نظرة إزدراء واحتقار وكأنه السبب في التخلف والإنحطاط، إلا أنه في واقع الأمر كنز يجب إستثماره والعناية به. لقد إندثرت حقبة أسلافنا وبقيت لنا تجربتهم في الحياة على شكل أمثال وحكم نقدر قيمتها لأن التاريخ يعيد نفسه لكن على شكل مختلف بينما الوقائع التي قيلت فيها هذه الأمثال نعيشها في أي حقبة من الزمــــــن.
تعريف الأمثال :
الأمثال تعبير عفوي عن موقف أو حدث موجز لحد البلاغة، وتختلف في ألفاظها لكنها تلتقي في مضمونها مع إختلاف مصادرها، فهي مجهولة الرواة والحقبة التي قيلت فيها، كما أنها أقوال موجزة، محكمة البناء، وتقوم مقام الحجة والبرهان لصحة حكمها وصدق مدلولها.
الأمثال الشعبية : منطقة كبدانة نموذجا.
في الثقافة الأمازيغية عامة وعند أهالي كبدانة خاصة، عدد هائل لا يعد ولا يحصى من الأمثال ضربت في كل مناحي الحياة. وتعرف الأمثال عند عامة سكان المنطقة بإسم”ثِـمْنَا” وهذه الأخيرة ذات صلة وطيدة بحكايات تهدف إلى تصحيح الواقع من خلال إرسال مجموعة من الرسائل القصيرة ذات معان هادفة تسعى إلى تقويم سلوكات ألأشخاص، بحيث نجد أنها دائما ترمز إلى ما هو أبعد من التعبير أللفظي، كما أنها تبحث في العمق والجمال الداخلي، ومؤثرة في كل زمان ومكان، هي كلمات تسمو على الكلام العادي، تحمل في طياتها أسمى المعاني وقيما إنسانية حضارية، كما ترتبط إرتباطا عميقا بالتقاليد والعادات والمعتقدات ولا تختلف عن نظيراتها في ثقافات الشعوب الأخرى سواء من حيث مدلولها وأبعادها أو من حيث شكلها وبنيتها ووظيفتها، فهي تراث إنساني وإنتاج حضاري عالمي.
في منطقة كبدانة لا يوجد رواة حقيقيون لهذه الأمثال، بل تكون دائما مجهولة المصدر والراوي ويبتدأ القول عند الإستدلال بها دائما بعبارة : أَنانْ زيكْ أي قالوا زمان، وهي شفهية غير مدونة يتم حفضها من كثرة تداولها بين الناس وتنتقل من جيل إلى أخر، كما أنها حاظرة بقوة في كل المناسبات ولا يكاد يخلو أي مجلس دون التطرق إليها، وتضرب الأمثال حسب سياق الكلام فلا يتم الحديث عن ميدان الفلاحة مثلا دون اللجوء إلى ضرب المثل بالنمل المعروف عنه بالجدية والعمل المتواصل في إدخار الحبوب … وكذا في كل مناحي الحياة، وتكون للشيوخ وكبار السن حصة الأسد منها كونها تجربة حياة طويلة تعبر عن خبرتهم في مواجهة المواقف المتعددة والتي بدورها واجهتهم، أما من حيث شكلها فهي سهلة الحفض والإنتشار لذا لجأ أجدادنا وأبائنا إلى توظيفها وأصبحوا حكيمين ومجدين في تصرفاتهم.
ونورد هنا بعض الأمثلة الأمازيغية المتداولة في كبدانة :
المثل : وَني إتشينْ تسغَارْتْ نسْ إِسذَرْ إِ تيطْ نَسْ.
المعنى الحرفي : من أكل نصيبه فليغض من بصره.
المعنى السياقي : يقال هذا المثل لمحاربة الذين يطمعون في الإستلاء على حقوق الغير بعدما أن نالوا حقوقهم.
المثل : وَني إتَتَّنْ سْ أُفوسْ نْ ياوذانْ أُور إِ تْيِوينْ.
المعنى الحرفي : من يأكل بيد الغير لا يشبع.
المعنى السياقي : يقال لمحاربة سياسة الإتكال على الغير.
المثل : وني إدْزَّنْ فوس نس وَرْ ذاسْ إتقْسْ.
المعنى الحرفي : من ضرب يده لا تألمه.
المعنى السياقي : من سبب مشكلة لنفسه ويتحمل تابعاتها لوحده.
المثل : عَشْرة نْ ياثْ علي وَرْ نْغِينْ أَيْذِي.
المعنى الحرفي : عشرة من أهل علي لم يقتلوا كلبا.
المعنى السياقي : ليس المهم في كثرة العدد والكم بل الأهم في النتيجة والحصيلة .
المثل : إَخْسْ أذْ يَزْوا إغْزَرْ وَرْ إِتوفْ.
المعنى الحرفي : يريد أن يعبر النهر دون أن يتبلل.
المعنى السياقي : هناك من يريد الحصول على نتائج مرضية دون أن يقوم بمجهودات فردية.
الأمثال ذات التوظيف الحيواني :
لقد إستمد الكبدانيون ألأمثال من بيئتهم القاسية التي علمتهم الكثير، فشبهت أمورها وأحوالها بكثير من الحيوانات تعطي الحكمة والتجربة في الحياة، فلقد تمكن إنسان المنطقة التدقيق من الصفات التي تميز كل نوع منها، الأليفة والمتوحشة، حيث أن الأولى أصبحت تعيش في محيطه ويستخدمها ويعتني بها ونسج عنها حكايات و أمثال في الوفاء والإخلاص، كالكلب والقط والحمار، أما الثانية فقد إتخذت صفة العداء وتتميز بكثرة القوة والغضب والمكر، كالذئب والثعلب …، وتعيش في عالمها المتوحش، إِمُـولاَ “الغابــــــة”.
لقد إستطاع الإنسان الكبداني تجسيد الترابط بين العالم الإنساني والحيواني لكون صورته صورة طبيعية مستوحاة من القبيلة التي تعرف بدورها صراعات بين الخير والشر وبينه وبين الطبيعة وبين الإنسان والحيوان، وبحيث أن المنطقة تتوفر على تضاريس مختلفة من جبال وسهول، عرفت أشكال من الحيوانات المفترسة للأغنام التي نسجت حولها حكايات وأساطير مختلفة، وأصبح المبدع هنا خبيرا في الحياة البرية وفطن لسلوك الحيوان فقام بتصنيفه بين مؤذٍ ومسالم ويعرف جيدا طبائعه التي يوظفها في الأمثال وتجعله يتقمص دورا داخل ما ينتجه من إبداعات متنوعة يمرر من خلاله أفكاره ذات التوظيف المرموز لتجنب سلوكات الأخرين ذات الردود العدائية العنيفة.
ونورد هنا بعض الأمثلة الأمازيغية المتداولة في كبدانة ذات التوظيف الحيواني :
المثل : إِنَاسْ ؤُشَنْ إِ تَقْسايِ لْحَالْ أَخْمي ذِي قَارَنْ سِرْسْ نتْشْ أُور أكْسيغْ شَا.
المعنى الحرفي : قال الذئب يؤلمني حينما يقال لي أنزلْ ما في فمك وأنا لم أأخذ شيئا.
المعنى السياقي : يستخدم الذئب كثيرا في التداول الكلامي والمعروف عنه أنه حيوان مفترس ومخادع يفتك بقطعان المواشي ولا يرغب أن يرغمه أحد التنازل عن حقه الطبيعي في قتل الفرائس، وهنا يشير المثل إلى الصراع الدائر بين الماكرين والناكرين لإنتمائهم القبلي اللذين لا تهمهم مصلحة القبيلة ويبعثون فيها فسادا كالذئاب لتحقيق مآربهم الدنيئة فيصبح هذا السلوك غير مرغوب فيه ويقاوم من طرف الأهالي فعندما يتم القضاء على هذه الشريحة تستعيد القبيلة أمنها وكرامتها، وفي هذه الحالة ينطبق عليهم المثل المضروب بالذئب : أخمي إتمتا ؤشَنْ ثِخْسي تارَو إشنيونْ بمعنى عندما يموت الذئب تلد النعجة توأمين، وهكذا تلد النساء الصبيان ويتكاثر النسل وتصبح العصبية القبلية كبيرة.
المثل : إِسْذْحَا سْ أغيول إتَاشَم ثْبارْذَا.
المعنى الحرفي : يستحي من الحمار ويغرز البردعة.
المعنى السياقي : للحمار حضور قوي و دلالات وأبعاد في المثل الشعبي فهو رمز للبلادة والغباء إلا أن الصورة الحقيقة عكس ذالك فهو الحيوان الصبور الذي يستعمله الإنسان لأغراضه الفلاحية ووسيلته الأساسية في تدبر أموره الكثيرة كالتنقل وجلب المؤن، فالمثل هنا يعطي لنا صورة بلاغية تحمل تناقصا وعملا غير منطقي ظاهريا توحي بعمل مناف للتقاليد التي يؤمن بها الإنسان في كبدانة، أن يستحي الإنسان من الحمار فهي قمة الإستهزاء والسخرية إلا أن المثل يشير إلى ما هو أبعد من ذالك، إذ يقصد به الإستهزاء من الشخص الذي ليست لديه الجرءة ويستحي من مواجهة الأخرين وقول الحق فيهم.
تشبيه الإنسان بالحيوان :
تشبيه الإنسان ببعض الحيوانات قد يكون رمزا لنوع من التصرف المرغوب أو الغير المرغوب فيه وهكذا يكون الأسد للشجاعة، والغزال للرشاقة والجمال والحمار للبلادة، فأن تنعت شخص ما بالحيوان دون تحديد إسم الحيوان ستكون نتيجته وخيمة وسيؤدي بك هذا السلوك إلى ما لا يحمد عقباه وتكون ردوده عنيفة، لكن أن تنعته بالأسد أو تقول أنت “غزال” فلا يصدر منه أي تصرف عدائي بل تجد منه قبولا ورضاءًا علما أن الأسد والغزال كونهما من الحيوان لكن الصورة النمطية التي صنعتها الحكايات ذات التوظيف الحيواني في مخيلة الإنسان منذ طفولته جعلته يتأثر بأساطيرها وإعتقاده أن الحيوانات كانت تتكلم في السابق فيما بينها وبين الإنسان جعلته يحمل في ذهنيته محمل الجد كل هذه الأساطير وكأنها كانت من الواقع المعاش، علما أن جميع الحيوانات لا علم لها بكل ما يحكي الإنسان عنها.
الأمثال في المعنى الحرفي والسياقي :
1. أُورْ نَسينْ أَنِيْ خْ إَكْسَانْ ولكن نْتْوالا مَامَشْ تنَاينْ إِمْنَاينْ.
المعنى الحرفي : لا نعرف كيف نمتطي الخيول لكن نرى الفرسان اللذين يركبونها.
المعنى السياقي : تقال للميز بين الصناع الحقيقيين وبين الذين لا يتقنون العمل.
2. إِزْمَرْ إِتْبانْ أَكْ سَدَّيْ نَسْ.
المعنى الحرفي : الخروف يُلمح في صفه.
المعنى السياقي : الأشخاص المميزين يضهرون للعيان.
3. أَليلي ذِسْ أَزْليِ ولكن ذَامَرْزاكْ.
المعنى الحرفي : شجر الدفلة جميل لكنه مُر.
المعنى السياقي : ومعناه أن المظاهر غالبا ما تكون خداعة.
4. أَعْلْعولْ ؤُ دُوَارْ أُورْ إِتْوَدَرْ.
المعنى الحرفي : ديك الدوار لا يتيه.
المعنى السياقي : يقال لمن أصبح أسير بطنه.
5. إشْتْ نْ دْزِيزْويتْ أُورْ تكْ بو تَامَنْتْ.
المعنى الحرفي : نحلة واحدة لا تنتج عسلا.
المعنى السياقي : مغزاه،أن عطاء الفرد لا يقاس بحجمه أو مكانته،ولكن بالملموس من عمله وقدراته.
6. أقْزِين أُورْ إِدْزو غِيرْ أَلْحَيَّثْ.
المعنى الحرفي : الكلب لا ينبح إلاَّ إذا كان هناك شيء.
المعنى السياقي : لا يمكن للخبر أن ينتشر دون وقائع.
7. أَكْناسْ أُيَازيضْ مانِيسْ ما إِدْيَكا ؤُسْميذْ أَثْ يَوِيْ.
المعنى الحرفي : ذيل الدجاج يتلاعب به الريح كيفما كان إتجاهه.
المعنى السياقي : تقال في المنافقين والمتقلبين.
8. أَلِنْتي أَخْميِ أُورْ إِتِيفْ ماَنْغَ يَكْ إِسَغْرُسَ تِسيلا نَسْ.
المعنى الحرفي : عندما لا يجد الراعي ما يقوم به يقطع حذائه.
المعنى السياقي : كثرة وقت الفراغ تؤدي بصاحبه إلى مشاكل.
9. وَنيِ ؤُمي تَقْسْ تَالْفْسا إِتْكْوَّدْ سْ تَزْرا.
المعنى الحرفي : من لدغته الحية يخاف من الحبل.
المعنى السياقي:بعد التجربة الأولى لا يمكن للمرء أن يخطأ في الثانية.
10. مانيسْ أَتَكْ تِسوبْلا أتْ تَدْفَرْ تَزْرَا.
المعنى الحرفي : المكان الذي تمر بها الإبرة يتبعها الخيط.
المعنى السياقي : تقال في اللذين تبعوا نفس أثار أسلافهم ويوظف غالبا في السوء.