
في امتداد غير غريب لمواقف تاريخية، حظي الموقف الرسمي الفرنسي باعتبار “حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية”، مع تأييد مخطط الحكم الذاتي كأساس وحيد للتوصل إلى حل سياسي لملف النزاع المفتعل، بترحيب واسع لدن النخب السياسية الفرنسية، خاصة من اليمين المتطرف ويمين الوسط، التي عوّلت على جعل هذا الموقف “المتأخر” منطلقا لدعم التنمية في الأقاليم الجنوبية للمملكة وتعزيز العلاقات المغربية الفرنسية.
مارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني الفرنسي اليميني المتطرف، قالت في تغريدة على حسابها في منصة “إكس” إن “الحكومة الفرنسية تأخرت كثيرا في الاعتراف بالالتزام المستمر للمغرب منذ عقود باستقرار وأمن الصحراء الغربية التي تشكل جزءا لا يتجزأ من المملكة الشريفة”، مردفة: “علينا جميعا دعم المبادرات البراغماتية للسلطات المغربية، التي ستعزز من إحلال السلام في هذا الإقليم بما يضمن تنميته”.
“وكمدافع تاريخي عن مغربية الصحراء” رحب إيريك سيوتي، رئيس حزب الجمهوريين، على موقع التواصل الاجتماعي نفسه، بموقف الرئيس الفرنسي، وطلب أن “يترجم عبر تقارب أساسي ودائم مع صديقنا المغربي”، وأضاف: “من الملح أن نطوي صفحة 7 سنوات من المضايقات غير المجدية، والإستراتيجية غير المدروسة، والعداء السخيف تجاه حليفنا التاريخي”.
من جهته قال جيرار لارشيه، رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي (عن حزب الجموريين)، في بيان، إن الموقف الذي عبر عنه الرئيس الفرنسي في رسالة موجهة إلى الملك محمد السادس يشير إلى “تطور دبلوماسي حاسم طال انتظاره”، معتبرا أن “الوقت حان لأخذ الحقائق بعين الاعتبار والخروج من غموض عقيم”.
ترحيب غير غريب
المعطي قبال، كاتب وصحافي مغربي مهتم بالعلاقات المغربية الفرنسية، قال إن “ترحيب هذه النخب السياسية الفرنسية بقرار الرئيس الفرنسي ماكرون اعتبار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الأساس الوحيد لحل مستدام للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية أمر غير غريب؛ ففي ما يخص نخب اليمين المتطرف كانت ماري لوبان منذ توليها رئاسة الجبهة الوطنية (التجمع الوطني حاليا) حريصة على التردد باستمرار على المغرب، ونسج علاقات سياسية وطيدة في الوسط السياسي المغربي”.
وأضاف قبال في تصريح لهسبريس أن “المغرب ظلّ قبلة للجمهوريين، أمثال شيراك وساركوزي، وكان إيريك سيوتي، آخر زعمائهم، دافع، قبل صدور الموقف الفرنسي، عن مغربية الصحراء وحث رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون على القيام بخطوة سياسية في هذا الاتجاه؛ فيما قام رفقة وفد من النواب الجمهوريين في ماي 2023 بزيارة المملكة، وأكد تزامنا معها اعتباره أن سيادة المغرب على الصحراء لا تقبل المناقشة”.
وفسر المتحدث عينه هذا الدعم اليميني للموقف الفرنسي الجديد بـ”احتضان المغرب جالية فرنسية كبيرة تصوّت لصالح أحزاب اليمين واليمين المتطرف الفرنسي، بخلاف الوضع في الجزائر”، وكذا بـ”علاقة هذه الأحزاب ونظرتها إلى الطرف الجزائري”.
وأوضح الصحافي المهتم بالعلاقات المغربية الفرنسية أن “الرئيس الفرنسي أراد من خلال الموقف المنتصر للطرح المغربي في ملف الوحدة الترابية للمملكة سحب البساط من تحت أقدام النخبة السياسية للجهة الأخرى، أي اليسار الفرنسي، وبالأخص الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي، التي قد تساند الأطروحة الجزائرية في حالة وصولها إلى الوزارة الأولى”، مذكرا في هذا السياق بـ”أهمية رفض حزب فرنسا الأبيّة اقتراح الحزب الاشتراكي تعيين لورانس توبيانا لمنصب رئيسة الوزراء”.
ولم يفت المعطي قبال أن يذكر أنه “بخلاف المواقف المرحبة بقرار الرئيس الفرنسي أحدثت الرسالة التي بعثها ماكرون للعاهل المغربي بشأن قضية الصحراء المغربية هزة في أوساط بعض النخب المناوئة للوحدة الترابية للمغرب، وهي النخب التي كثيرا ما كانت تنظر بعين الرضا للحياد الفرنسي الذي لا يصب في صالح الطرح المغربي في الملف”.
امتداد لمواقف تاريخية
من جانبه قال عمر المرابط، الخبير في العلاقات المغربية الفرنسية، إن “المواقف المشيدة بقرار الرئيس إيمانويل ماكرون دعم مخطط الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية كأساس وحيد للحل السياسي للملف، وتأكيده أن حاضر مستقبل هذه الأقاليم يندرجان في إطار السيادة المغربية، ليست بجديدة عن جميع النخب السياسية التي أصدرتها؛ فكثيرا ما كانت تصريحاتها حول ملف الصحراء تذهب في منحى القرار الرسمي الجديد”.
وأكد المرابط في تصريح لهسبريس أن “اليمين الفرنسي ظل تاريخيا بكل أطيافه (اليمين التقليدي ويمين الوسط واليمين المتطرف) قريبا من المغرب، وجميع الرؤساء الفرنسيين المنتمين إليه، كجاك شيراك ونيكولا ساركوزي، تبنوا مواقف قريبة من الطرح المغربي في قضية الصحراء الوطنية”.
وأشار المتحدث عينه إلى أن “مواقف زعيمة حزب التجمع الوطني ماري لوبان، وقبلها والدها جان ماري لوبان، صبت دائما في صالح الوحدة الترابية للمغرب، فيما كان إيريك سيوتي، زعيم الجمهوريين، أصدر مواقف مماثلة، على غرار تأكيده العزم على الاعتراف بمغربية الصحراء في حال انتخابه رئيسا، وترحيبه باعتراف إسرائيل بسيادة لا جدال فيها للمغرب على أقاليمه الجنوبية”، معتبرا أن “مواقف اليمينيين في هذا الإطار تجد تفسيرها في العلاقات التي ظلت متوترة دائما بين اليمين والجزائر، نتيجة مخلفات الاستعمار الفرنسي”.
وأكد الخبير في العلاقات المغربية الفرنسية أنه “في ما يتعلق بالجهة الأخرى فإن مواقف زعيم حزب فرنسا الأبية اليساري جان لوك ميلونشون، الذي لم يعلق حتى الآن على خطوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تظل ثابتة في هذا الملف، وهي التي عبر عنها خلال زيارته المغرب إبان فترة زلزال الحوز بدعوة حكومة البلاد إلى التخلي عن التعالي في التعامل ودعم مخطط الحكم الذاتي”.
The post موقف متأخر وتطور حاسم .. نخب فرنسا ترحب بموقف ماكرون من الصحراء appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.