المصالحة والإنصاف في الأصالة والمعاصرة
إيمانا بأن القوة الحقيقية تكمن في الوحدة والتماسك، فالمرحلة القادمة هي فرصة لعقد جلسات حوار ومصالحة داخلية مع كل من يحملون مشروع وفكر الأصالة والمعاصرة وكذا تصحيح المسار والتوافق بين الجميع، هذا وحده من سيجعل الحزب يدخل الانتخابات القادمة بقوة وصلابة.
رشيد بوهدوز
إن الأصالة والمعاصرة ليست مجرد اسم لحزب، بل هي مشروع يجسد تطلعات الشعب المغربي نحو مستقبل أكثر إشراقًا كما تعكس أيضا رؤية العهد الجديد في العبور لمغرب الغد قصد تحقيق الحداثة والتقدم الديمقراطي والتمسك بالأصالة والهوية المغربية الملخصة في تعبير “تامغرابيت”. فمنذ أن رأى هذا الحزب النور في لحظة فارقة من تاريخ البلاد، حمل على عاتقه هاته المهمة الطموحة المتمثلة في كونه جسرا يعبر به المغرب إلى ضفاف التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية، في انسجام مع الإيمان العميق بأهمية التجديد والابتكار في تقدم الأمم.
فعلى مدى سنوات مضت، لم يكن مشوار “البام” خاليا من التحديات والعثرات، بل كانت كل خطوة فيه محفوفة بالصراعات الداخلية والمنافسة الشرسة مع الأحزاب التقليدية التي تراه منافسا يسحب البساط من تحت أقدامها، وتم اقحامه في صراع مرير مع التوجهات المحافظة ذات المرجعية الأصولية التي رأت فيه سدا يقف في وجه المد الإخواني الذي يغذيها والذي ابتلع كثير من دول المشرق، فضلا عن تلك اللحظات التي تخللها الشك والتساؤل حول مستقبله ومكانته في النسيج السياسي المغربي، والذي كان هدف لنيران الألة الإعلامية لجل التنظيمات السياسية. ومع كل هذا القصف الذي تعرض له هذا الحزب، مازال واقفا وهو اليوم على أعتاب فصل جديد يعد بتغييرات جوهرية قد تجعله القوة السياسية الأولى للمرحلة القادمة، مستفيدا من تاريخه الحافل ليقف بقوة وثبات أمام الرياح المعاكسة والتحديات المقبلة.
التحديات الراهنة والمستقبلية
في ظل التحديات الراهنة والمستقبلية التي تواجه المغرب، من التغير المناخي إلى الرقمنة والتحولات الاقتصادية العالمية، يبرز دور حزب الأصالة والمعاصرة كفاعل أساسي في تشكيل مستقبل البلاد. من الضروري أن يتبنى الحزب استراتيجيات مبتكرة لمواجهة هذه التحديات، مع التركيز بشكل خاص على تمكين الشباب والمرأة في العملية السياسية والتنموية. فالشباب، بأفكارهم المتجددة وتفاعلهم مع التكنولوجيا، والنساء، بدورهن الحيوي في النسيج الاجتماعي والاقتصادي، يمثلان محورين أساسيين لأي استراتيجية ناجحة تهدف إلى بناء مستقبل مستدام ومزدهر. إن إحياء هياكل الحزب ومنظماته الموازية إضافة إلى التواصل الفعّال والمباشر مع المواطنين، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية، يمكن أن يعزز من شفافية الحزب ويقربه من الجماهير، مما يسهم في بناء ثقة متجددة ودعم لمبادراته.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحزب استشراف الفرص في سياسات التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر، ليس فقط كوسيلة لمواجهة التحديات البيئية، ولكن كفرصة لخلق وظائف وتحفيز النمو الاقتصادي. من خلال تبني هذه المقاربات، يمكن لحزب الأصالة والمعاصرة أن يساهم بشكل فعال في رسم مسار جديد للمغرب، يقوم على الابتكار، العدالة الاجتماعية، والاستدامة، والهوية، مؤكدًا على دوره كقوة دافعة للتغيير الإيجابي في المجتمع المغربي.
أهمية المنظمات الموازية للحزب
التنظيمات الموازية ضمن الأحزاب السياسية تلعب دورًا حيويًا في تعزيز الديمقراطية الداخلية، وتوسيع نطاق التمثيل، وتعميق النقاش حول قضايا محورية. “أكراو من أجل الأمازيغية” قدم نموذجًا مثاليًا لكيفية مساهمة هذه التنظيمات في الحياة السياسية لحزب الأصالة والمعاصرة. بتأكيده على الأهمية الاستراتيجية للقضية الأمازيغية، فقد ساهمت “أكراو” بشكل فعال في تشكيل الورقة السياسية للحزب، داعية إلى تبني مقاربة متقدمة تجاه الأمازيغية تتوافق مع الرؤية الملكية وتعزز مكانة الحزب كمنبر للترافع عن الهوية والثقافة الأمازيغية. هذا الإسهام يؤكد على قيمة التنظيمات الموازية في إثراء النقاش السياسي وتعزيز السياسات الشاملة وفتح ورشات للنقاش لاستيعاب الاختلاف التي تعكس تنوع المجتمع تجدد ودينامية الحزب.
مؤتمر بوزنيقة
شكل مؤتمر بوزنيقة الأخير نقطة تحول حاسمة عبر انتخاب قيادة جماعية، وهو ما يمثل انتقالًا إلى مرحلة تتسم بالتجديد والوحدة. وهو تحول لم يكن مجرد تغيير في الواجهة، بل يشكل مرحلة انتقالية، لا تمثل فقط إعادة التأكيد على مشروع الحزب والمبادئ الأساسية له، بل تشير أيضا إلى التزام الحزب بتعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة داخل أروقته، وتقديم نفسه كنموذج متميز عن بقية الأحزاب في ما يخص تدبير الخلافات الداخلية والتجديد في الأسلوب والممارسة، وهي خطوات يُرجى منها أن تعيد للحزب بريقه وتجعل منه قوة لا يستهان بها في الاستحقاقات المقبلة.
هذا المؤتمر لم يكن مجرد لقاء تنظيمي، بل كان نقطة تحول تمهد لـ”مرحلة العبور” نحو تعزيز وصياغة مستقبل الحزب، ويُنظر لها كفرصة للحزب لإعادة تقييم وتحديث برامجه السياسية بما يتوافق مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية الراهنة، وبما يتلاءم مع التوجهات العالمية نحو التنمية المستدامة وحقوق الإنسان. من خلال هذا التجديد، نأمل في “البام” في الاستحقاقات القادمة على كسب ثقة الناخبين وتعزيز القاعدة الشعبية، مؤكدا على دور الحزب كقوة بناءة ومساهمة في تقدم وازدهار المغرب.
القيادة الثلاثية
لقد ذهبت كثير من القراءات والتحليلات بشكل سطحي على اعتبار مخرجات القيادة الثلاثية هي تعبير عن أزمة يعيشها الحزب، وتغطية عن فشل التوافق حول أمين عام واحد، أو صراع بين هؤلاء الشخصيات نحو القيادة، والحقيقة أنه ولا شخصية واحدة كانت لها الرغبة في تدبير مرحلة انتقالية مؤقتة لتجهيز الحزب لاستحقاقات الانتخابات القادمة، والتي لا يفصلنا عنها إلا سنتين، والواقع أن هذه الأخيرة كان لها نصيب الأسد في دفع الأمين العام لتقديم استقالته أو إقالته لعقد مؤتمر استثنائي يوحد صفوف الحزب ويجسد المصالحة المرتقبة ويتجه من خلالها لفض غبار الانقسامات عن كاهله، متأهبا للخوض في غمار المرحلة المقبلة بروح موحدة ونظرة مستقبلية، فمن المتوقع أن هاته المرحلة ستشهد مبادرات مصالحة داخلية وتواصل مع المناضلين “الغاضبين” والقيادات السابقة وتوحيد الصفوف، والخروج بصيغة قوية تعطي الثقة بإمكانية قيادة “حكومة المونديال” والتي ستكون حكومة فارقة في تاريخ المغرب، تفصل بين مرحلة إرساء دعائم العهد الجديد والعبور نحو مغرب جديد يجسد رؤيا هذا العهد؛ إن الخوف من هاته المرحلة الانتقالية الحساسة من أن تعصف بمستقبل أي أمين عام يتولى قيادتها لأنه سيترجل من القيادة في المؤتمر الاستثنائي المرتقب بشكل يوحي بالفشل والتالي يفقد حظوظه في لعب أدوار قيادية مستقبلا هو الدافع الأساسي الذي أدى الى انتخاب قيادة جماعية، ومن ثمة فإن تخريجة القيادة الجماعية هي خطوة ذكية نحو حفض ماء وجه الجميع كون المؤتمر الاستثنائي سيصبح ضرورة تنظيمية وقانونية لاختيار قيادة واحدة لقيادة الانتخابات القادمة، دون أن يلجأ الحزب إلى حركة تصحيحية أو إقالة أو تخريجه أخرى لعقد المؤتمر الاستثنائي يكون ضحيتها الأمين العام الذي تولى المسؤولية.
لما المؤتمر الاستثنائي؟
نعم، كان من الممكن اختيار الشخصية التي ستقود الانتخابات القادمة باسم الأصالة والمعاصرة والتي من المحتمل أن تقود الحكومة المقبلة في آخر مؤتمر، بدون الحاجة لمؤتمر استثنائي، لكن الإشكال المطروح هو كون الأصالة والمعاصرة جزء من التشكيلة الحكومية الحالية، ويسير الكثير من الوزارات، وأي أمين عام سيقود الحزب في هاته المرحلة يعني أنه سيتحمل وزر الحكومة الحالية، فرغم نجاح وزراء الحزب بشكل لافت في مواقعهم داخل الحكومة، إلا أنه لا يمكن المجازفة بما ستحمله السنتان القادمتان من مفاجآت قد تضر بصورة الحزب في الانتخابات القادمة، وبالتالي فتشكيلة الحزب للانتخابات القادمة يجب أن تأخذ كل الاعتبارات والمستجدات لكسب الرهان.
المصالحة والإنصاف في البام
في ظل العهد الجديد، شهدت المملكة مراجعات مهمة في مختلف الجوانب، وكان الجانب الحقوقي والسياسي من أبرز مجالات هذه المراجعات. الوضع الذي ورثناه عن العهد السابق كان محملا بالتحديات ويشكل قنبلة موقوتة تهدد استقرار المجتمع، مما دعا إلى ضرورة فتح صفحة جديدة تقوم على مبادئ الإنصاف والعدالة. في هذا السياق، جاء دور هيئة الإنصاف والمصالحة كخطوة جوهرية نحو تحقيق هذا الهدف، من خلال العمل على إنصاف ضحايا السياسات السابقة وإعادة تقييم الممارسات الحقوقية والسياسية. ومع تزايد الحاجة إلى تجاوز الإخفاقات السابقة، بدا واضحًا أن الأحزاب السياسية التقليدية لم تعد قادرة على مواكبة هذه التغيرات العميقة والمراجعات الشاملة في النظام الإيديولوجي والسياسي والثقافي للمملكة. في هذا الإطار، ساهم تقرير الخمسينية في توفير إطار تقييمي مهم للتقدم المحرز والتحديات المتبقية، مؤكدًا على أهمية استمرارية الجهود في مجال الإصلاح الحقوقي والسياسي بما يتماشى مع رؤية العهد الجديد لبناء مستقبل أفضل.
فكانت الحاجة لتأسيس قطب سياسي جديد يكون عنوان المرحلة ويعكس هذا التحول العميق، فقامت حركة لكل الديمقراطيين التي كانت أرضية لتأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، والذي ولد مثقلا بهذا التحدي الكبير الذي يحمله ليكون واجهة هذا التغير الجوهري وحاميا لمخرجاته.
الحزب نفسه شهد تحولات وتجاذبات تستدعي إنشاء هيئة مصالحة وإنصاف داخلية بين أعضائه وتياراته للم شمله والخروج من الانقسامات نحو وحدة الصف ليتم مسيرته ومشروعه الذي يجسد مشروع الأمة المغربية بأكملها المتشبعة بقيم “تامغرابيت”، ويمكن اعتباره القوة السياسية الأولى والوحيدة التي تؤمن بتفرد وتميز وقوة الأمة المغربية، والتي تسعى لتأسيس قطب ليبرالي وطني حقيقي يفخر بمغربيته بعيدا عن الإيديولوجيات المستوردة التي غزت جل التنظيمات السياسية المغربية.
نداء المصالحة
إيمانا بأن القوة الحقيقية تكمن في الوحدة والتماسك، فالمرحلة القادمة هي فرصة لعقد جلسات حوار ومصالحة داخلية مع كل من يحملون مشروع وفكر الأصالة والمعاصرة وكذا تصحيح المسار والتوافق بين الجميع، هذا وحده من سيجعل الحزب يدخل الانتخابات القادمة بقوة وصلابة.
في هذا الوقت الفاصل والمهم بالنسبة لمسار حزب الأصالة والمعاصرة، حيث يواجه تحديات تستدعي منه قدرا عاليا من العزم والرؤية الحكيمة، يبرز النداء نحو مبادرة شاملة للمصالحة الداخلية كخطوة ضرورية للنهوض وتحديث الحزب. يمثل هذا الوقت فرصة للتأكيد على وحدة الصف وإعادة تأكيد الهدف المشترك لتحقيق مستقبل أكثر إشراقا للمغرب، مع التزام بزيادة الشفافية، تعزيز المشاركة العامة، والاستجابة بفعالية لتوقعات أعضاء الحزب والمواطنين في قطاعات حيوية كالتعليم، الرعاية الصحية، البيئة، والاقتصاد.
نحث كافة أفراد حزب الأصالة والمعاصرة على الانخراط بإيجابية في عملية المصالحة، متسلحين بروح الاتحاد والتفاهم، ومدركين للقوة الكامنة في تماسكنا والعمل الموحد نحو أهداف مشتركة تخدم بلادنا. بالجمع بين الحكمة والعزيمة، يمكننا تخطي الاختلافات لصالح رؤية موحدة تقود المغرب نحو آفاق جديدة من التطور والثراء.
مبادرة المصالحة هذه تعد أكثر من مجرد خطوة لتعزيز آليات الديمقراطية داخل الحزب وتفعيل دوره كقائد للتحول الإيجابي؛ إنها أيضا تجسيد لالتزامنا بخلق مستقبل يمثل الأفضل في قيمنا وطموحاتنا. دعونا نتخذ من هذه المبادرة نقطة انطلاق نحو فصل جديد يعكس الابتكار، الاستدامة، والوحدة، مؤكدين على قدرتنا على توجيه المغرب نحو مستقبل مفعم بالازدهار والنماء.