تختلف تنشئة الطفل في شبذان “كبدانة” تبعا لتنوع العادات الإجتماعية من قبيلة إلى أخرى، فالطفل يولد ويجد نفسه في أسرة يستمد منها طبعه ولغته، ثم ينفتح في طفولته المتأخرة فيجد نفسه داخل بنية إجتماعية توجه سلوكه وتحفظ كينونته في الوجود.
وإذا كانت الأسرة كخلية إجتماعية صغيرة تمارس عليه قيمها الموروثة منذ مرحلة نشؤه الأولى، فإن البنية الإجتماعية توجه تصرفاته في مرحلة الصغر والمراهقة ومرحلة الشباب إلى أن يصبح رجلا مقتدرا على تقلد وظيفة ما داخل المجتمع ثم يصير أباً بعدها يتفرغ لتربية الأولاد ويعيد تكريس سلوكه الموروث، من عادات وتقاليد، اللصيقة بالواقع الإجتماعي الكبداني.
وهذه الطقوس والعادات ليست فانية بقدر ما يعاد تكرارها في كل مناسبات الطفولة بدأً من مرحلة الرضاعة، إلى مرحلة الطفولة المتأخرة وهنا يكون الميدان شاسعا لمعرفة جانب هام من الثقافة الأمازيغية الكبدانية المتعلقة بالنشأة الإجتماعية.
منذ أن يظهر الوحم على المرأة الحامل يعتبر الجنين عنصرا دخيلا على العائلة مما يجعل المرأة تكتسب كثيرا من الإحترام في الوسط الأسري، وتعفى من مزاولة الأعمال الشاقة داخل و خارج البيت, والفريد من نوعه عند أهالي كبدانة أيضا أن يحضر للمرأة الحامل شهواتها النفسية الطارئة أثناء فترة الوحم أو ما يعرف بلغة الأم الأمازيغية ب” أُموزْ” أو “مَزْري” حتى لا يصاب الجنين ”أَحضيض” بوحم يشوه ملامحه من نوع نقط سوداء تظهر على جلد الصبي ترمز إلى الأشياء التي كانت الأم تتوحم عليها فلم يتم حضورها في وقتها المناسب أي أثناء الوحــــم.
ومن العادات الإيجابية كذالك، نجد أن عند كل مائدة أكل تحضى المرأة الحامل بالنصيب الوافر من المأكولات حيث يأخذ بعين الإعتبار حصة الجنين في الرحم, أن يقسم اللحم بالتساوي بين أفراد العائلة وتقدم حصتين للأم على أساس أن الجنين يتغذى طعامه من رحم أمــــه .
وبمجرد الولادة والتي تعتبر مناسبة سارة للأهالي، تضع الأم حملها بسهولة وتقطع القابلة سارة الرضيع لتفاجئ الأقارب بزغاريد إيذانا بزيادة مولود جديد ويكون الطفل مدينا أن يسمي القابلة “حَنا” طوال حياته وأن يلبي لها أوامرها.
ومن العادات أن الطفل الرضيع يوضع له الكحل”تَازولْتْ” في عينيه وتميمة في يده ”لحرز” وقَدم قنفذ النيص ”دَارْتْ ن أرويْ” في عنقه لوقايته من العين، ويبقى لصيقا بأمه باعتبار أنهما يكونان جسدا واحدا، ثم يهيأ لباس من قماش أبيض يلتف فيه يسمى” تاصونت ” ويشد بأحزمة على شكل خيط غليض من الصوف يقوم عظامه ويحد من حركاته وتسمى هذه العملية ب ”أَنَّاضْ”،ثم يوضع في مهد ”أَنْدوه” أو على أفرشة”تَاسوتْ” أعدت خصيصا له تضمن له الدفء والراحــــــة.
وتكون للرضيع أسماء تواكب مراحل حياته ونموه وهي كالتالي:
٠أَحْضيضْ: “المُرَاقب” وهو لقب الجنين في مرحلة أيامه الأولى
٠أَسيمــي: “المربى” والذي تستمر تربيته ويكون قد دخل الشهورالأولى
٠أحنجـير: “المحضون” المرحلة الأولى التي يكون فيها محمولا وهومحتك بالصدر
٠أحيـبُورْ :”الحابي”وهي مرحلة بداية تعلم المشي على الركبتين والأيدي
٠أَنيــبو: “العاقل” وهي بداية مرحلة يتعرف فيها الطفل على أفراد العائلة و يميز بينها وبين الغرباء و بداية تعلمه النطق وأسماء أفراد الأسرة
٠أَحْـرامْ: “الشاطر” وهي مرحلة الطفل التي يقضي فيها معضم أوقاته في اللعب وينفذ بعض الأوامر للأسرة التي تحتاج السرعة والخفة في تنفيذها
٠أَوْغيشْ : “المراهق” هي بداية لدخول مرحلة البلوغ
٠أَتَرَّاسْ: “الشاب” مرحلة الشباب
٠أَرْيازْ: “الرجل” مرحلة الرجولة والفحولة ويطلق هذا الإسم على الذكور عند بلوغ سن العشرين وما فوق
أوسار:”الشيخ” وهي مرحلة الشيخوخة
أما لغة الطفل فتتركب في بدايتها غالبا من حرفين متكررين أو ثلاثة يسهلان النطق عليه وهي لغة تستعمل لمخاطبة الأطفال فقط في مرحلة بداية تعلم الكلام والفريد من نوعه هو أن جميع أهالي منطقة كبدانة تستعمل نفس المصطلاحات ونفس العبارة لتسمية الأشياء بنفس الحروف عند مخاطبة الأطفال،وكأنهم تخرجوا من نفس المدرسة، فأن تقول مثلا :داداع،فوفو،دي دي،أَخوشْ،شاشا،حوحو،يعرف جميع أطفال منطقة كبدانة أنك تقصد: الظهر،النار،الجرح،النوم،الأحذية،الحليب.
وهذه العادات لا تنحصر في منطقة كبدانة فحسب بل لها إمتداد في باقي مناطق المغرب إلا أنها تختلف من منطقة لأخرى.
وهكذا تتم تنشأة الطفل في كبدانة خلال طفولته المبكرة حيث يكتسب سلوكه من العائلة وهو سلوك مملوء بالإيحاءات الرمزية التي تحتفظ بها الثقافة الأمازيغية في ”شبذان”.